***

 

 

كان مالك القطيع يشحنه في مؤخرة الشاحنة التي تحمل الخراف أو العجول في أوقات متفرقة من السنة.. يعد البهيمة التي تريد أن تساق إلى السوق، يقدم لها الماء والعلف، يحرص على ألا تنام متمرغة في بولها وفضلاتها، يمسح العجول إذا عَلِقَ بها شيء ما كما يمسح ماسح الأحذية أحذية زبائنه إلى درجة تصبح فيها الثيران أنظف منه.. إن ثقافة الواجهة جزء من لعبة السوق والتسوُّق: "زَوّقْ تْبِيعْ".

كانت ليلة جلب المواشي ليلة مشؤومة، يكرهها كما يكره ليلة وفاة أبيه وانقطاعه عن الدراسة.. ليلة تبدأ من الفجر ولا تنتهي إلا في ليل اليوم المقبل.. فمن جريه اليومي وراء القطيع الكبير.. يواصل النهار بالليل في تحضير البهائم...

تُشْحَنُ البهائم باكرا.. يجب أن يبقى حريصا على ألا تتعارك كي لا تصاب بأذى...

ليلة باردة من ليالي شهر يناير المقمرة. الشاحنة تسير بسرعة. كان يتأمل منظر القمر والنجوم. رأسه مرفوعة نحو السماء متتبعا حركات النجوم السيَّارة المضيئة.. سَحَرَهُ المنظر وجذبه. داخ فَغَفَا.. فإذا بماء دافئ ينزل فوق رأسه كصنبور ساخن في شقة مفروشة.. استيقظ مفزوعا فلطم بقنة رأسه أير العجل الذي كاد يطير من الشاحنة كما طارت "مرسيديس" في رواية "مائة عام من العزلة". رفسه العجل الضخم كما ترفس البهائم النمل.

توقفت الشاحنة فهبط مالك القطيع يصيح قائلا:

- أين أنتَ أيها البهيمة؟

أجابه من تحت البهائم:

- كدت أموت.. دهستني العجول...

رد عليه ولسانه كاد ينفلت من فمه:

- وما الذي أبقاك حيا؟.. كلب، بسبعة أرواح!.. آه لو وجدت عجلا مجروحا!

 

 

***