***
خرج منذ الفجر صحبة ما بقي في حوزته من بهائم، كان ينوي ألا يعود قط إلى نقطة الانطلاق. غمرته كومة أشواك من سدر كان أهل القرية يصنعون به زرائب للنعاج كي تبيت فيها وتحميها من الذئاب الجائعة والضالة.
استجمع قواه وقام ناظرا نحو السماء التي بدأت ترسل أولى زخات المطر بشح جلي. تشابكت خيوط ثيابه بأطراف الشوك. أنسته رائحة التراب، المنتشرة عبر الرياح، وخز الأشواك، وانشرحت أسارير وجهه وكأنه حَمَلٍ صغير يذهب بفمه صوب ضرع ذئب غير مميز بينه وبين ضرع أمه!
استحضر حلم الاستقرار والمكوث.. والزواج ومعانقة المرأة عوض البهائم.. وتصور نفسه يحمل بين ذراعيه رضيعا حَارَ في اختيار اسمه!
أنعشه حلمه هذا وأنساه مأساة الموقف...
انتبه إلى ورطته، فأسرع يجر ما علق بثيابه. هش على أغنامه مصارعا الزوبعة في حركة معاكسة، دافعا الأغنام المتكدسة الخائفة نحو القرية... أَكْثَرَ من الالتفات، توالت حركاته وتسارعت.. تتساقط الأمطار فوق رأسه الأصلع كما تتساقط فوق بطيخة طازجة!
ارتفع ضغط الدم في شرايينه.. أراد أن يَشْتُمَ ذَاكِراً واحدة من بين ما يوجد بين فخدي الرجال.. فتلمظ ريقه وسكت.
***