***
تبادل الناس التحايا أمام الترع. حاط الماء بمساكنهم. تبددت مخاوف الموت وأهوال الغرق. الموت بعد الفقر كارثة، موت مجاني.
دَبَّت حركة في الناس والبهائم، استيقظ من لم يكن يرى حاجة إلى الاستيقاظ المبكر. نهضت البهائم دون مساعدة.
لبس الفقيه برنوسه وجلس أمام باب المسجد الذي سطا اللصوص على بابه الرئيسي وأبواب بيوته وألواح الطلبة الخشبية والمصاحف وبعض الأفرشة و"قراطيس" الشمع...
الفقيه يعلم كل تفاصيل القرية، مراقبها ومترقب أحوالها، يدون الولادات والوفيات، يرصد الجوائح والمسرات، ينوب عن القائد في تدوين ما يحصل للعباد.. ظل الله والسلطة في القرية!
رمق الفقيه الإبن يحفر مسلكا للماء كي يفك الحصار عن مسكنه.. ناداه.. التحق به وترك مسافة بينهما. مقدار المسافة الفاصلة بين الملاكم وخصمه قبل بدء جولات الملاكمة.. بادره الفقيه بالقول:
- سأحسم معك خصام السنين.. لن أطرح على كبار القبيلة مقاطعتك لي، عدم إطعامك لي، عدم دفعك لأجرتي...
- أوّاهْ! ما الذي وقع؟ تعرف أنني رصدت صبيا تحتك!
- لن يتحدث ولد رحمة عنك في الجمع أمام القائد...
- سرك في بئر أيها الفقيه.
***